سورة المدثر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)}
{المدثر} لابس الدثار، وهو ما فوق الشعار: وهو الثوب الذي يلي الجسد. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «الأنصار شعار والناس دثار» وقيل: هي أوّل سورة نزلت. وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت على جبل حراء فنوديت: يا محمد، إنك رسول الله، فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئاً، فنظرت فوقي فرأيت شيئا» وفي رواية عائشة: «فنظرت فوقي فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض»- يعني الملك الذي ناداه- «فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت: دثروني دثروني، فنزل جبريل وقال: {يا أيها المدثر}» وعن الزهري: أوّل ما نزل: سورة {اقرأ باسم رَبّكَ} إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل فقال: إنك نبيّ الله، فرجع إلى خديجة وقال: دثروني وصبوا عليّ ماء بارداً، فنزل: يا أيها المدثر. وقيل: سمع من قريش ما كرهه فاغتم، فتغطى بثوبه مفكراً كما يفعل المغموم. فأمر أن لا يدع إنذارهم وإن أسمعوه وآذوه.
وعن عكرمة أنه قرأ على لفظ اسم المفعول. من دثره. وقال: دثرت هذا الأمر وعصب بك، كما قال في المزمّل: قم من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم {فَأَنذِرْ} فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا. والصحيح أنّ المعنى: فأفعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} واختص ربك بالتكبير: وهو الوصف بالكبرياء؛ وأن يقال: الله أكبر. ويروى: أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر» فكبرت خديجة وفرحت، وأيقنت أنه الوحي؛ وقد يحمل على تكبير الصلاة، ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل: وما كان فلا تدع تكبيره {وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ} أمر بأن تكون ثيابه طاهرة من النجاسات؛ لأنّ طهارة الثياب شرط في الصلاة لا تصح إلا بها، وهي الأولى والأحب في غير الصلاة، وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثاً. وقيل: هو أمر بتقصيرها، ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول، وذلك ما لا يؤمن معه إصابة النجاسة. وقيل: هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال ويستهجن من العادات. يقال: فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل والأردان إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق. وفلان دنس الثياب للغادر؛ وذلك لأنّ الثوب يلابس الإنسان ويشتمل عليه، فكنى به عنه. ألا ترى إلى قولهم: أعجبني زيد ثوبه، كما يقولون: أعجبني زيد عقله وخلقه، ويقولون: المجد في ثوبه، والكرم تحت حلته؛ ولأنّ الغالب أنّ من طهر باطنه ونقاه عنى بتطهير الظاهر وتنقيته، وأبى إلا اجتناب الخبث وإيثار الطهر في كل شيء {والرجز} قرئ بالكسر والضم، وهو العذاب، ومعناه: اهجر ما يؤدي إليه من عبادة الأوثان وغيرها من المآثم. والمعنى: الثبات على هجره؛ لأنه كان بريئاً منه.


{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}
قرأ الحسن {ولا تمنّ} {وتستكثر} مرفوع منصوب المحل على الحال، أي: ولا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً، أو طالباً للكثير: نهى عن الاستغزار: وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يتعوّض من الموهوب له أكثر من الموهوب، وهذا جائز. ومنه الحديث: «المستغزر يثاب من هبته» وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون نهياً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق، والثاني: أن يكون نهى تنزيه لا تحريم له ولأمته وقرأ الحسن {تستكثر} بالسكون. وفيه ثلاثة أوجه: الإبدال من تمنن. كأنه قيل: ولا تمنن لا تستكثر؛ على أنه من المنّ في قوله عز وجل: {ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى} [البقرة: 262] لأنّ من شأن المنان بما يعطي أن يستكثره، أي: يراه كثيراً ويعتدّ به، وأن يشبه ثرو بعضد، فيسكن تخفيفاً، وأن يعتبر حال الوقف.
وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار (إن) كقوله:
أَلاَ أَيُّهذَا الزَّاجِرِى أحْضُرَ الْوَغَى ***
وتؤيده قراءة ابن مسعود {ولا تمنن أن تستكثر} ويجوز في الرفع أن تحذف (إن) ويبطل عملها، كما روي: أحضر الوغى بالرفع، {وَلِرَبّكَ فاصبر} ولوجه الله فاستعمل الصبر. وقيل: على أذى المشركين. وقيل: على أداء الفرائض.
وعن النخعى: على عطيتك، كأنه وصله بما قبله، وجعله صبراً على العطاء من غير استكثار، والوجه أن يكون أمراً بنفس الفعل، وأن يتناول على العموم كل مصبور عليه ومصبور عنه، ويراد الصبر على أذى الكفار؛ لأنه أحد ما يتناوله العام.


{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}
والفاء في قوله: {فَإِذَا نُقِرَ} للتسبيب، كأنه قال: اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم، وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه. والفاء في {فَذَلِكَ} للجزاء فإن قلت: بم انتصب إذا، وكيف صح أن يقع {يَوْمَئِذٍ} ظرفاً ليوم عسير؟ قلت: انتصب إذا بما دلّ عليه الجزاء، لأنّ المعنى: فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين، والذي أجاز وقوع {يَوْمَئِذٍ} ظرفاً ليوم عسير: أنّ المعنى: فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير، لأنّ يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور. واختلف في أنها النفخة الأولى أم الثانية. ويجوز أن يكون يومئذ مبنياً مرفوع المحل، بدلا من {ذلك} و{يَوْمٌ عَسِيرٌ} خبر، كأنه قيل: فيوم النقر يوم عسير.
فإن قلت: فما فائدة قوله: {غَيْرُ يَسِيرٍ} و{عَسِيرٌ} مغن عنه؟ قلت: لما قال: {عَلَى الكافرين} فقصر العسر عليهم قال: {غَيْرُ يَسِيرٍ} ليؤذن بأن لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيراً هيناً، ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً، كما يرجى تيسر العسير من أمور الدنيا.

1 | 2 | 3